المعالجون الشعبيون ومكانتهم في المجتمع بحث انثربولوجي بمنطقة الداوون

الملخص

يختلف المعالجون الشعبيون باختلاف المعتقدات والممارسات الطبية الشعبية، التى يقومون بها، تبعاً لإختلاف الثقافات التى يعيشون فيها، وينعتون بأسماء مختلفة وفقاً لثقافتهم، وبيئتهم الاجتماعية، وتعتمد ممارسة الأساليب العلاجية الشعبية على المعالج الشعبى، سواء العطار، أو العشاب، أو الحجام والفقيه، أو الوالي، أو الذين لديهم الخبرة الكبيرة في تحديد العديد من الوصفات، والممارسات الطبية الشعبية⁽¹⁾.

في منطقة الداوون بترهونة يتنوع المعالجون الشعبيون، ويؤدون دورهم في مجال العلاج بطرق مختلفة منها الوقائية، مثل: تقديم النصائح العلاجية والدينية، وطرق علاجية، من خلال طقوس وإجراءات العلاج المختلفة، كما أنهم يتعاملون مع جميع الأمراض، حتى المستعصية والمزمنة منها، والتى فشل الطب الحديث في تقديم العلاج الناجح لها.

    ويشترك معظمهم في القيم الثقافية للمجتمع الذى يعيشون فيه، وفي نظرتهم للعالم، والتى تفسر ظهور المرض، وطريقة علاجه وأهميتها، ويعتبر المعالجون بالمعتقدات الشعبية، سواء بحلقات الزار، أو السحر، والشعوذة، أو كرمات الأولياء ورجال الدين الأكثر إنتشاراً في المجتمعات، ويلقون بمسببات المرض على العين والحسد، أو على الأسباب فوق الطبيعية، مثل: الأرواح والأشباح وأعمال السحر والشعوذة، وبهذا يؤكدون في علاجهم على حياة المريض، والمحيط الذى يعيش فيه، وتفهَّمُهم لطبيعة الثقافة، والمعتقدات التى يؤمن بها أفراد المجتمع.

  كما أن لشخصية المعالج دوراً كبيراً في المساعدة في الوصول إلى مرحلة الشفاء، من خلال ثقة المريض في قدرة المعالج الشعبى، فهذه الثقة متولده من خلال الحالة النفسية للمريض، وخبرات المرضى التي تصل إلى المريض، والذين ترددوا على المعالج، فتعطيه ثقه وأمل في الشفاء، كما أن المعالج الشعبى يقوم بازاحة الخوف، والرهبة المتولدة لدى المريض من المرض، من خلال تهوين الأمر عليه، وادخال الطمئنانية إلى نفسه، من خلال إعلامه بالحالات التى قام بعلاجها، وتم شفاؤها على يده، حتى ولو عرف المعالج بأن المرض الذى يعانى منه المريض خطيراً، إلاَّ أنه يفضل أن يقلل المعاناه النفسية للمريض، فالمعالج الشعبى لا يعالج مرضاً معيناً يعلم عنه كل شئ؛ بل أنه يعالج عرض معين يعانى منه المريض دون أن يعلم حقيقة المرض الذى يعاني منه.

     والمعالجون الشعبيون الموجودون في منطقة الداوون بترهونة لا يمكن اعتبارهم معالجين متخصصين، وإنما هم الأفراد الذين أصبحت _وبتكرار الممارسات العلاجية الشعبية_ لهم خبرة ساعدتهم على التكيف مع طبيعة البيئة الايكولوجية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، فقد جرت العادة أن كبار السن هم الذين يساهمون في وصف طرق العلاج الشعبى، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهر جيل من المعالجين الشعبيين في مجتمع البحث من المتعلمين، وطوروا قدراتهم العلاجية من خلال الاطلاع على كتب الطب الشعبي، وخاصة في الحجامة،  التى تُعتبر من موروثات العلاج الشعبى في كثير من المجتمعات، والتى لها طائفة كبيرة من الأفراد يتعالجون بها، كما أن هؤلاء المعالجين الجدد دائماً  يأخذون بنصائح ذوى الخبرة في الطب الرسمى، وهذا البحث يتناول موضوع المعالجون الشعبيون بمنطقة الداوون بترهونة؛  لغرض توثيق جزء من الثقافة الشعبية بالمجتمع الليبي.