دور القانونيين في ترسيخ مبدأ المصالحة الوطنية
الملخص
إذا كانت المصالحة الوطنية هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لمساعدة المجتمع على الانتقال من ماضي يسوده الانقسام، إلى مستقبل يتشارك فيه الجميع، وتأسيس المجتمع على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته.
ذلك أن العدالة الانتقالية هي مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان، بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم، بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات، والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الانسان. ومن الضروري بمكان أن ننظر إلى العدالة الانتقالية باعتبارها مجرد أداة واحدة من العديد من الأدوات التي تحقق العدالة والأمن. كما أن استخدام اليات العدالة الانتقالية بجب أن يوضع ضمن السياق الأكبر للوصول الى مصالحة وطنية حقيقية.
إن ترسيخ دعائم السيادة القوية للقانون هو في الأصل عمل سياسي، وهو ما يعني وجود رغبة مجتمعية في تحقيق المصالحة الوطنية، من خلال المشاركة الفعالة في حوار وطني شامل من كافة أفراد المجتمع دون اقصاء أو تهميش لأي طرف كان، وصولاً الى تحقيق التوزان بين العدالة والأمن، مع عدم الإغفال أن تحديد الرؤية المشتركة للدولة والاتفاق حولها يستغرق وقتا كما تتطلب عملية الوصول الى هذه الرؤية التصدي للقضايا الصعبة مثل قضية الهوية الوطنية بل كثيرا ما يتطلب مواجهة تاريخ مشوب بالعنف ومظاهر الظلم.
لذلك فإن دور القانونيين في ترسيخ مبدأ المصالحة الوطنية يتم من خلال دورهم في مؤسسات إدارة العدالة (وزارة العدل، وزارة الداخلية)، وانخراطهم ضمن الجهات الفاعلة (نقابة المحامين، نقابة المستشارين القانونيين..) ومساهمتهم في الدعوة إلى حوار وطني شامل يوفر وسيلة لمختلف أطراف الصراع لمناقشة القضايا الحساسة، كما يؤمن بيئة تُحدث حلولا ممكنة مشتركة ومستدامة، وهو ما يؤدي إلى تدعيم نظام عدالة فعال يسهم في دعم سيادة قانون قوية تضمن نشر ثقافة المصالحة الوطنية من خلال مساندتها ورعايتها من ادارة العدالة، وإلى تعزيز حقوق الانسان الأساسية لجميع الأفراد، بما في ذلك الضحايا والمتهمين وتوفير سبل سلمية للتعامل مع المظالم ومحاسبة جميع الأفراد عن الضرر الذي يلحقونه بالأخرين. وعن طريق ايجاد آليات المشاركة بين الدولة والمجتمع لتحقيق المصالحة الوطنية.