الفـضـاء الــرِّوائـي وتـجـلّـيـاتـه في رواية حديث الجنود لأيمن العتوم

الملخص

تنوّعت التقنيات الفنية التي مرّت بها الرواية عبر تاريخها، فسعى الكُتَّاب في بداية الأمر إلى محاكاة الواقع، والحرص على نقله بكل تفاصيله، وصاحب ذلك توظيف التقنيات البنائية التي تساعد في الإيهام بواقعية الحدث، وبواقعية الفضاء الذي يحتضنه، والزمن الذي يؤطره، والشخصيات التي تشغله؛ لذلك سعى كُتَّاب الرواية التقليدية إلى حشد كل الطاقات الفنية التي تُسهم في نقل كل جزئيات وملامح الفضاء الروائي الذي يحتضن الأحداث، يقيناً منهم أنّ هذه العناصر هي من مكملات الحدث، وهي من تُسهم في نضج العمل الفني واكتماله، غير أنّ هذا الأمر لم يدم على هذا النحو، فتغيّرت تقنيات الرواية الحداثية، وأصبح الفضاء الروائي في معظم الأحيان عبارة عن شذرات وأشتات مبعثرة بين جزئيات المتن الروائي، وأصبح القارئ عاجزاً عن لمِّ هذه الجزئيات وتكوين صورة واضحة تعينه على تخيّل المسرح الذي تجري به الأحداث. وهناك من ضمن كتّاب الرواية الحديثة من اتخذ منهجية وسطى بين الرواية التقليدية والحداثية؛ فتجاوز النمط التقليدي الذي يسعى إلى التجسيد، وفي المقابل سعى إلى تحاشي النمط الحداثي الذي تَغْلبُ عليه الضبابية والتعتيم، فجاء البناء الفني بين هذا وذاك، ومن بين هذا النوع ما تمثله رواية حديث الجنود للكاتب الروائي أيمن العتوم، التي نحن بصدد دراسة فضائها الروائي، ونهدف من وراء هذه الدراسة إلى الوقوف على هذا النمط، ومدى توفيق الروائي في توظيف تقنياته الفنية، وقدرته على رسم مسرحه الروائي، وإمكاناته في شحن جزئيات هذا الفضاء دلالياً، هذا وسيعتمد البحث المنهج البنيوي باعتباره المنهج الذي يمثل فاعلية في دراسة تقنيات السرد، أضف إلى ذلك توظيف تقنية التقاطبات الضدية التي مثلت كفاءة إجرائية عالية في توزيع الأمكنة والأمكنة المضادة وتسهيل دراستها، ثمَّ مقاربة هذه الأمكنة دلالياً باستخدام المنهج السيميائي.